الدين في روما القديمة
من ويكيبيديا، الموسوعة encyclopedia
الدين في روما القديمة يحمل في طياته مختلف الممارسات والمعتقدات التي اعتبرها الرومانيون القدماء خاصة بهم، بالإضافة إلى العقائد العديدة التي آمنت بها الشعوب التي خضعت للحكم الروماني.
وكان الرومان[؟] يعتبرون أنفسهم شعبًا متدينًا جدًا، وكانوا ينسبون نجاحاتهم كقوة عالمية لورعهم (ورع) والذي أدى إلى الحفاظ على وجود علاقات جيدة مع الآلهة. ووفقًا لـ التاريخ الأسطوري، فإن معظم المؤسسات الدينية في روما يمكن تعقبها حتى مؤسسيها، لاسيما نوما بومبيليوس وسابينيون ثاني ملوك روما وكان يتباحث مع الآلهة مباشرةً. وكان هذا الدين القديم أساس للـموس مايورام (mos maiorum)، «طريقة الأسلاف» أو ببساطة «العُرف»، وكان هذا أساسًا للهوية الرومانية.
وكان يتنصب لمنصب القساوسة في الديانات العامة أعضاء في طبقات الصفوة. ولم يكن هناك مبدأ يشبه مبدأ «انفصال الكنيسة عن الدولة» في روما القديمة. وفي أثناء الجمهورية الرومانية (509 قبل الميلاد–27 قبل الميلاد)، عَمِلَ المسئولون المنتخَبون كعرافين وأحبار. وكان القساوسة يتزوجون وينشئون عائلات ويشاركون في الحياة السياسة مشاركة فاعلة. وكان يوليوس قيصر كبير هيئة الأحبار (Pontifex Maximus) قبل انتخابه لتولي منصب الـقنصل[؟]. وكان العرافون يقرؤون وصايا الآلهة ويراقبون ترك علامات على الحدود لعكس النظام الكوني، ومن ثم فكانوا يسمحون بالـتوسعية الرومانية كأمر من القدر الإلهي. وكانوا يرجعون الانتصار الروماني لتدينهم حيث إن الانتصار العام الذي تمتعوا به كان عرضًا للورع والاستعداد الذي يتأهبون به لخدمة المصلحة العامة بإهداء جزء من غنائم الحروب إلى الآلهة، خاصًة الإله يوبيتر الذي يجسد الحكم العادل. وكنتيجة للحروب البونيقية (264–146 قبل الميلاد)، حين ناضلت روما لبناء نفسها كقوة عظمى، بنيت الكثير من المعابد على يد القُضاة وفاءً بالوعد الذي تم قطعه للآلهة لضمان نجاحهم العسكري.
لذا فقد كان الدين الروماني دينًا عمليًا وعقديًا، يرتكز على مبدأ (do ut des) «أنا أعطيك الذي قد تعطيه.» واستند الدين إلى المعرفة والممارسة الصحيحة للصلوات والطقوس والتضحية (تقديم القرابين)، ولم يكن يستند إلى إيمانٍ أو عقيدة، وعلى الرغم من ذلك فإن الأدب اللاتيني حَفِظَ اهتمامهم بالطبيعة الإلهية وعلاقتها بشؤون الإنسان. وحتى أكثر مفكري الصفوة الرومان ريبةً وشكًا، مثل شيشرون، والذي كان عرافًا، كانوا ينظرون إلى الدين كمصدر يحفظ النظام الاجتماعي.
أما بالنسبة لعامة الرومان، فقد كان الدين جزءًا من حياتهم اليومية.[1] وكان لدى كل بيت مكان مقدس يؤدون فيه الصلاة ويقدمون فيه المشروبات للآلهة المحلية. وكانت الأضرحة في المناطق المجاورة والأماكن المقدسة كالينابيع والبساتين تملأ المدينة. ولاحظ لوكيوس أبوليوس تمسك الناس بالدين في حياتهم اليومية بعد مراقبة أفعالهم عند المرور بمكان مقدس فكان البعض يردد العهوم والبعض يقدم الفاكهة كقربان وهناك من كان يجلس لفترة قبل مواصلة الطريق.[2] وكان التقويم الروماني مقسمًا حسب المناسبات الدينية. وفي عصر الإمبراطورية تم تكريس 135 يومًا في السنة للمهرجانات الدينية وألعاب.(اللودي) (ludi) .[3] وشارك كل من النساء والعبيد والأطفال على حد سواء في الأنشطة الدينية المختلفة. وكانت هناك بعض الطقوس العامة التي لم يكن ليمارسها سوى النساء، وشكل النساء ما يمكن اعتبارة أكثر اشكال الكهنوتية الرومانية شهرةً، وهي كهنوتية «عذارى الفيستال» التي كانت مدعومة من الحكومة آنذاك، والتي تولت عناية روما لقرونٍ عِدة حتى انفرط عقدهم عند دخول المسيحية البلاد.
ويشتهر الرومان بعبادتهم لعدد كبير من الآلهة، حتى نال ذلك الأمر سخرية الجدل المسيحي.[4] وأثَّر وجود اليونانيون في شبه الجزيرة الإيطالية منذ أوائل الفترات التاريخية على الثقافة الرومانية، حيث قدموا بعض الممارسات الدينية التي أصبحت بعد ذلك نقاطًا جوهرية في عقيدة أبوللو[؟]. وبحث الرومان عن أساس مشترك بين آلهتهم وآلهة اليونانيين، فتبنوا الأساطير اليونانية وصور القديسين ومزجوها في الأدب اللاتيني والفن الروماني. وكان للديانة الإترورية (Etruscan religion) عظيم الأثر، لاسيما في ممارسات العرافين وكان ذلك منذ تولي الملوك الإتروسكان عرش البلاد.
وجاءت الديانات الغامضة لتُقدم مفاهيم عن الخلاص في الحياة الأخرى، وكانت بمثابة تقدير شخصي للفرد وتتم ممارستها إضافةً لللطقوس العائلية (sacra gentilicia) ضُمن الديانة العامة. وتضمنت تلك الديانات الغامضة على أنواع من القسم الحصرية لها والسحر، وهي حالات كان ينظر لها الرومان المحافظون في ريبٍ وشك باعتبارها خاصية من خواص "السحر ومؤامرة (كونيوراتيو) (coniuratio) والأعمال التخريبية. وكانت هناك بعض المحاولات المتقطعة وأحيانًا المتوحشة لقمع هذه الطقوس التي من شأنها تهديد الوحدة والأخلاقيات التقليدية، كما كان الأمر مع جهود مجلس الشيوخ الروماني لحصر عيد الباخوس في عام 186 قبل الميلاد.
وكانت سياسة الرومان في أثناء توسع سلطانهم وشمول حكمهم على دول البحر المتوسط هي معرفة آلهة وعقائد الشعوب الأخرى وليس القضاء عليها أو استئصال شأفتها،[5] وذلك لأنهم كانوا مؤمنين بأن الحفاظ على التقاليد سبيل من شأنه تعزيز استقرار المجتمع.[6] وكان الرومانيون يختلطون بالشعوب المختلفة عن طريق تشجيع التراث الديني لدى تلك الشعوب، وبناء معابد للآلهة المحلية في إطار يتفق واعتقاداتهم في الديانة الرومانية. وتسجل النقوش المحفورة حول الإمبراطورية عبادة الآلهة المحلية وآلهة اليونان جنبًا إلى جنب، كما سجلت الإهداءات التي قدمها الرومان للآلهة المحلية.[7] ومع توسع الإمبراطورية الرومانية، ظهرت آلهة عالمية عديدة تبنتها روما ووصلت بهذه الآلهة إلى مختلف الولايات الرومانية وأبعدها، من ضِمن هذه الآلهة كان كوبيلي وإيزيس وإيبونا وآلهة الوحودية الشمس منها الميثرانية وسول إنفكتوس وقد عُثِرَ عليهما بعيدًا في بريطانيا الرومانية. ولأن الرومانيين لم يلتزموا قط بعبادة إله واحد أو ينتموا لعقيدة وحيدة لم يكن مفهوم التسامح الديني كما هو في المنظومات التوحيدية الأخرى.[8] وشكلت الصرامة التوحيدية عند اليهودية بعض الصعاب لسياسات روما والتي تم حلها في أوقات ما بتقديم تنازلات أو منح بعض الامتيازات وفي حالاتٍ أخرى أدت إلى صراعات عنيفة.
وفي غمار انهيار الجمهورية، تم تبني دين رسمي للدولة لدعم حكم الأباطرة الجدد. وبرر اغسطس وهو أول إمبراطور روماني ابتكار حكم الرجل الواحد بعِدة برامج ترمي إلى الإصلاح والإحياء الديني. وكان في بادئ الأمر يتم قسم الولاء العام لصالح أمن الجمهورية، أما تحت حكم أغسطس فإنه يُقسم لصالح رفاهية الإمبراطور. وانتشرت فكرة «عبادة الإمبراطور» على نطاق واسع من التقليد الروماني تبجيل الموتى من الأسلاف وتوقير جنيوس (Genius)، وكذلك الإله الحارس لكل فرد. وأصبحت العقيدة الإمبراطورية واحدة من طرق إعلان الرومان لسطوتهم على الولايات وتأكيد للهوية الثقافية المشتركة والولاء حول الإمبراطورية وأنحاءها. وكان رفض الدين الرسمي للإمبراطورية بمثابة خيانة. وكان ذلك في غِمار الصراع الروماني مع الديانة المسيحية والتي اعتبرها الرومان شكلاً من أشكال الإلحاد وخرافات جديدة.
ومع بداية القرن الثاني، بدأ آباء الكنيسة بشجب مختلف الممارسات الدينية التي يقوم بها الناس في أنحاء الإمبراطورية ووصفوها بالـ«وثنية».[9] وفي بداية القرن الرابع، كان قسطنطين الأول أول إمبراطور يعتنق المسيحية وبدأ عصر الهيمنة المسيحية. وقام الإمبراطور يوليان المرتد بمحاولة دامت لفترة قصيرة لإحياء الديانة الهلينية وللتأكيد على الوضع الخاص الذي تحتله الديانة اليهودية، بيد أنه في عام 391 وتحت حكم ثيودوسيوس الأول أصبحت المسيحية هي الدين الرسمي لروما وتم التخلص من الديانات الأخرى. وتم رفض الالتماسات التي قدمها السيناتور سيماخوس (Quintus Aurelius Symmachus) (توفى في عام 402) والتي ناشد فيها بالتسامح الديني، وبذلك أصبحت المسيحية التوحيدية علامة بارزة لهيمنة الإمبراطورية. وتعرض الهراطقة وغيرهم من غير المسيحيين إلى الإبعاد عن الحياة العامة والاضطهاد، بيد أن الطقوس الدينية الأصلية لروما قبل المسيحية تركت آثارًا واضحة على الطقوس المسيحية،[10] وظلت بعض المعتقدات التي سبقت المسيحية تمارس سطوتها على الأعياد المسيحية والتقاليد المحلية.